كيف يُمكنني إرشادُ أبنائي لفِهم معنى جني الأرباح عبر الإنترنت؟
المهارات المستقبليّة للطلّاب لمواكبة سوق العمل
كيف يتغيّر سوق العمل؟ ولماذا يتغير؟
نعيش اليوم بداية الثورة الصناعيّة الرابعة، حيث تعتمد على التطورات في مجالاتٍ عدة مثل علم الوراثة والذكاء الاصطناعيّ والروبوتات وتقانة النانو والطباعة ثُلاثيّة الأبعاد والتقانة الحيويّة. إنّ هذه التطوّرات تُسهم في تقدّم بعضها البعض ما يُؤسّس لثورة أشمل من أيّ أمر رأيناه من قبل.
تستمر التقنيات الجديدة في قلب الصناعات وبدأت بتولّي مهام كان يؤديها البشر في السابق. لذلك، يخشى الموظفون في جميع أنحاء العالم على مستقبلهم. لكن في الحقيقة ليست الروبوتات أو الذكاء الاصطناعيّ نفسه هو من سيمنعنا حقاً من المنافسة الفعّالة في سوق العمل، بل عقولنا بكل تحيزاتها النفسيّة وقيودها المعرفية.
نظراً لوجهة النظر الشائعة القائلة بأنّ قطاع التكنولوجيا يقود التغييرات الرئيسيّة الأخيرة في اقتصادنا، فقد نتوقع أن تُهيمن التقانة على قائمة المسميّات الوظيفيّة التي نمت أكثر من غيرها في حصّة التعيينات على مدى السنوات الأربع الماضية. لذلك، فإنّ معالجة تقادم المهارات تتطلب التغلّب على حواجز نفسيّة وفكريّة كبيرة.
في سوق العمل الحاليّ السّريع التغيّر، لم تكن المهن الأكثر طلباً مثل علماء البيانات أو مطوري التطبيقات أو متخصّصي الحوسبة السحابيّة، موجودةً قبل خمس أو عشر سنوات. لذا تشير التقديرات إلى أنّ 65٪ من الأطفال الملتحقين بالمدارس الابتدائية اليوم سينتهي بهم المطاف في وظائف غير موجودة بعد.
وفي الوقت الذي نطوّر فيه روبوتات ذات قدرات تقترب من القدرات البشريّة، علينا إلقاء نظرة فاحصة على قدراتنا. ولكن يجب الانتباه لأنه إذا لم نتعلّم كيفية التغلب على قيودنا المعرفيّة، أو على الأقل تجنُبها، لن نتمكّن من الحصول على وظائف طويلة الأمد ومثمرةً في الاقتصاد العالميّ الجديد.
ولكن يعدُّ التعلّم مدى الحياة أمراً عالي التكلفة من ناحيتين: الناحية الأولى هي الناحية المادية والناحية الثانية هي ناحية الوقت والجهد، ويُنظر إلى العوائد على أنها غير مضمونة إلى حدٍّ كبير، لا سيما في ظلّ الاضطرابات التي تسببها التكنولوجيا. وقد تتعزز مثل هذه الآراء بمشاعر الاكتئاب واليأس التي تنشأ غالباً حين يفقد العمّال وظائفهم أو يواجهون مفترق طرقٍ وظيفي.
لذلك نجد التقانة هي المسيطرة، وستستمر في لعب دور قوّةٍ من شأنها صنع نجاح شركات المستقبل أو فشلها.
التقانة ليست الجانب الوحيد الذي يتغير في مكان العمل. إذ إنّ ديموغرافية قوّة العمل تتغير، ويتقدّم جيل طفرة المواليد في السن. ومن المتوقّع دخول المزيد من الشباب إلى أماكن العمل مع ارتفاع نسبة التحاق النساء أيضاً بسوق العمل .
ويبدو أنّ الإشارات المستمرّة إلى مشكلة بطالة الشباب تسيء تفسير طبيعة هذه الصعوبة لأنها تصوّر أنّ كلّ الشباب أو معظمهم يواجهون صعوبة في الحصول على وظائف. ولكن في الواقع، تتركّز بطالة الشباب بشكل عام، بين مجموعة صغيرة تفتقر إلى العمل لفترات طويلةٍ من الزمن.
ونجد أنّ الشباب الذين يعانون من مشكلة البطالة بشكلٍ مزمن، يشكّلون مجموعةً صغيرةً نسبيّاً، لكنهم يتمتعون بخصائص مختلفة، لأنه نجد بأن المتسرّبون من المدارس الثانويّة وسكان المناطق الفقيرة، يشكلون النسبة الأكبر منهم.
بينما يرتبط الأداء الأكاديميّ في المدرسة الثانويّة بشكلٍ إيجابيّ بكلّ من التوظيف وزيادة الأجور بعد التخرّج والانضمام إلى القوى العاملة.
إليك بعض الاستنتاجات الأساسيّة حول تغييرات السوق:
- يتنامى عدد الوظائف بشكل أسرع في المهن التي تتطلّب المزيد من الإعداد (بما في ذلك التعليم والخبرة والتدريب الوظيفي).
- تزداد فرص العمل والأجور في المهن التي تتطلب مهارات اجتماعيّة أو تحليليّة أعلى.
- يقول معظم العمّال أنهم سيحتاجون إلى تدريب مستمرّ لمواكبة التغييرات في مكان العمل.
- يعتقد معظم الأفراد أنّ مسؤولية التأكد من أنّ القوى العاملة لديها المهارات والتعليم المناسبين للنجاح في اقتصاد اليوم، تقع على عاتق الأفراد أنفسهم.
- يتدهور الأمن الوظيفي، لكنّ معظم العمّال يشعرون بالأمان والاستقرار في وظائفهم.
- تتغيّر العديد من التوجّهات في الوقت الحاضر، ومن المهم لنا كأفراد أنّ نتعلّم ونفهم ما يدور حولنا، خاصّة أنّ رفاهيتنا الاقتصادية هي أولويّة قصوى في حياتنا.
اذاً كيف يمكنني مواكبة التطوّرات التي تحدث في أسواق العمل المستقبليّة؟
يتطلّب النجاح في سوق العمل المعاصر أن تكون متعلّماً مرناً مدى الحياة ومستعدّاً للتكيّف المستمرّ والتنقّل عبر المجالات. بحيث إذا انتهت الحاجة لإحدى المهن، وهو أمر يمكن حدوثه بين ليلة وضحاها، تجدُ نفسك مستعداً للانتقال بسهولة إلى مهنة أخرى.
وبصفتك معلّماً، تحتاج أن تكون على علمٍ مستمرّ بالعديد من الموضوعات، ومن بينها سوق العمل بهدف الاستفادة منها وتعزيزها في عقلية الطلّاب وذلك باستخدام النصائح والاستراتيجيّات أدناه.
يُمكنك القيام بالعديد من الخطوات لمواكبة تغيّرات السوق في محيطك:
- تتبَّع التوجّهات في عملك كمعلّم وتتحقّق من الابتكارات التي تحدث حاليّاً وستحدث في المستقبل. لذلك، يتوجب على كل معلّم التعرّف على كيفيّة استخدام أدوات التعليم على الإنترنت بكفاءة.
- تواصل مع أشخاص مثلك ومهتمين بعملهم لتحديث معرفتك باستمرار، مثل المعلّمين في مختلف المدارس والجامعات والمنظّمات غير الحكوميّة والمؤسسات التعليميّة والمؤتمرات عبر الإنترنت.
- اقرأ المدوّنات والصحف والمنصّات الإعلاميّة الأخرى عبر الإنترنت للتحقّق من أي تحديثات وتوجّهات وطرق عمل ونقاط أخرى ذات صلة. من جهةٍ أخرى، تتحدث العديد من هذه المنصّات عن مبادئ تعليميّة جديدة لتعليم الطلّاب والتنمية الشخصية للمعلمين.
- شارك في المنتديات وغرف المناقشة التي تحدث عبر الإنترنت في الوقت الحاضر والتي غالباً ما تكون معظمها مجانيّة. فهذه الورشات تتناول مواضيع مثل التعليم عبر الإنترنت والخصائص الشخصيّة اللازمة للتدريس عبر الإنترنت.
- اشترك في المجلّات لتواكب قضايا محدّدة في مجال عملك لأنّ هذه المجلّات تناقش مستقبل التعليم وكيف يتمّ توسيع الأدوار في سياق مختلف سواء التدريس عبر الإنترنت، تعديل السلوك، المبادئ التعليميّة، التنمية الشخصية، وإدارة الفصل الدراسيّ وغيرها من الموضوعات ذات الصلة.
- استمع إلى المدونات الصوتية من خبراء في تخصّصك الحاليّ أو مهنتك. فالعديد من المؤثرين هم معلّمون، لذا يُعدُّ التعلّم منهم حول كيفيّة نجاحهم جزءاً مهمّاً لمعرفة كيف تسير الأمور في المستقبل وكيفية التكيّف مع التغيير الذي يُتوقّع حدوثه.
- إذا كنت ترغب في الحصول على جميع الأخبار حول موضوع معيّن بغضّ النظر عن المصدر، يمكنك الاشتراك في تنبيهات غوغل. هذه النصيحة تُفيد المعلّم المشغول بمواكبة التحديثات التي تهمّه.
- انضمّ إلى مجموعات على فيسبوك أو غيرها من منصّات التواصل الاجتماعي التي تُركّز على التعليم والمعلّمين والمواضيع المماثلة. هذه المنصّات والتي تضم ذوي اهتمامات مماثلة أو قريبة من مهنتك تُبقيك على اطلاع وتفاعل معهم.
- راقب "منافسيك" أو المؤسسات المشابهة لتلك التي تعمل بها، وتحقّق ممّا يقومون به بطريقة مختلفة ومبتكرة، فهي طريقة مفيدة للتعلّم من الآخرين. في بعض الأحيان، تكون المؤسسات الأخرى متقدمة أو تكتسب زخماً، ومن المستحسن مراقبتهم لتتعلّم كيفيّة قيامهم بذلك.
يمكنك البدء من أيّ نقطة أو يمكنك استخدام إجراءات متعدّدة لبدء تكييف نفسك مع المتغيرات وفي اتجاهات متعدّدة. الآن، وبعد أن فهمت فكرة تغييرات السوق وكيف تتعرّف عليها، يتوجب عليك كمعلم تحديث معرفتك أولاً، ومن ثمّ توجيه الطلّاب وإعدادهم ليكونوا مناسبين بشكل أفضل لهذه الوظائف المستقبليّة.
بعد اطلاعي على أحدث الاتجاهات في سوق العمل، ما الذي يجب أن أفعله لإعداد طلابي للوظائف المستقبلية؟
بصفتك معلماً، أنت تلعب دوراً حيويّاً في حياة طلّابك، وقيمهم، ومعتقداتهم، ومجالات مهمة أخرى. ومن المهمّ أن يتعلموا منك كيفيّة زيادة فُرصهم بالتوظيف
إليك بعض النصائح التي يُمكنك استخدامها:
- شجّع طلّابك في سنواتهم الأخيرة على استشارة متخصّصي التوجيه المهنيّ ليتعلموا منهم أين يمكنهم التوجه في المستقبل، ويكونوا على اطلاع بما سيحدث في عالم الغد.
- لا تتردَّد في إعطاء أمثلة عن نفسك وما قمت به من خلال ذكر بعض الأمثلة أو مشاركة بعض النصائح التثقيفية التي تدور حول موضوع تنمية القوى، بهدف إثارة فضولهم حيال هذه القضية.
- التأكيد على أهميّة المهارات الشخصية في حياتهم الشخصيّة والعمليّة مع شرح مفهوم المهارات الشخصيّة وتوجيههم في كيفيّة تعلّمها.
- شجّع العمل الجماعي: أحد أهمّ المقوّمات التي يحتاجها الطلّاب اليوم للنجاح في العمل هو القدرة على العمل كفريق. إذ أنّهم بحاجة إلى فهم كيفيّة التواصل والوصولإلى تسويات ومشاركة الثناء كي يتمكّنوا من العمل والإسهام بشكلٍ قيّم في المشاريع.
- قمّ بدعوة أشخاص يُعتبرون قُدوة إلى الفصل واطلب منهم مشاركة تجربتهم، وكيف عملوا على تطوير أنفسهم منذ الصغر ونجحوا في الحياة .
- ركّز على المستقبل عبر قياس النجاح بعد التخرّج، واسأل الطلّاب كيف سيستخدمون معرفتهم بعد المدرسة.
- عزز ثقة الطلاب عبر مهام تدفعهم لاتخاذ القرارات وحلّ المشكلات لأنّ هذه المهارات ستساعدهم كثيراً في سوق العمل.
- امنحهم منهجاً تعليميّاً شاملاً يتضمّن الفنون والعلوم والتقانة والهندسة والرياضيات والتاريخ والاتّصالات.
- اشرح للطلّاب مفهوم التطوير الذاتي ّومؤشراته وكيفية تأثيره على حياة الشباب. إذ يُعدّ التعلّم الذاتيّ المستمرّ حجر الأساس للإنجاز في العمل والحياة.
- نبّه طلّابك إلى أهميّة "الأمان على الإنترنت" و "محو الأميّة والكفاءة الرقميّة" وغيرها من الموضوعات كي يتمكنوا من فهمها واكتشافها مسبقاً ليصبحوا مستعدّين للتحدّيات التي قد يواجهونها في وظائفهم المستقبليّة، ويتجنبوا الخوف من هذه القضايا المعقّدة.
في الواقع، يشكّل الشباب في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 50٪ من السكّان، ومازالت مساحة النموّ المتاحةِ كبيرة. وينضمّ عدد كبير من الشباب المتحمّسين إلى السوق ليحقّقوا حياة قيّمة ومنتجة، لهذا السبب حان الوقت لتثقيف طلّابك حول المستقبل.