كيف يمكنني توجيه أولادي حول البصمة الرقمية؟
ما هو التتبع ؟
دعونا نلعب لعبة!
افترض أنّه تمّ توكيل راشد للتجسّس على امرأة ما، فقررت الاختباء خلف شجرة مقابل منزلها، وفي كل مرّة كانت تغادر فيها المنزل، كان يقوم بتدوين ملاحظات عنها:
- ترتدي ملابس سوداء ورمادية
- حذاء رياضي
- تحمل كُتُبًا
- تمشي بخطوات سريعة
يهمس راشد في جهازه اللاسلكي: قد تكون السيدة "x" طالبة جامعية أو معلّمة. طريقة لبسها غير رسمية، تحب الألوان العصرية الكلاسيكية، تبدو في عجلة من أمرها، ولأنها تغادر المنزل في أوقات مختلفة كل يوم فمن الممكن أنّها تعمل بنظام المناوبة.
هذا الأمر يُسمى في العالم الرقمي بـ " التتبّع عبر الإنترنت"، أي قدرة ونشاط موقع إلكتروني على تتبّع سلوكك عبر الإنترنت، وجمع المعلومات عنك. سنشرح كيفية حصول ذلك بمتابعة القصّة.
في اليوم التالي، يقوم راشد بإرسال ولدين صغيرين ليلعبوا بجانب منزلها، وبينما تغادر المبنى، يناديها الحارس "فاطمة". يسمع الولد الأول ذلك ويهرع إلى رشد لإبلاغه باسمها، ثم يتبعه الولد الآخر ليخبره أنه سمع فاطمة تخبر الحارس أنها الليلة تنتظر ضيوفا قادمين لزيارتها.
يمثّل هذان الولدان، في العالم الرقمي، ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) - وهي أدوات صغيرة بحجم يصل إلى 4 كيلو بايت تستخدمها المواقع الإلكترونية؛ لجمع المعلومات عنك أثناء تصفحك للإنترنت.
قد تكون ملفات تعريف الارتباط ( الكوكيز) هذه وقتيّة، بحيث يحذفها متصفّح الويب الخاص بك بمجرد خروجك من موقع إلكتروني معيّن، أو من الممكن أن تكون ثابتة بحيث يحفظها متصفّح الويب الخاص بك لزيارتك التالية. مثالٌ على ذلك، عندما تسجّل الدخول إلى موقع Gmail وتجد عنوان بريدك الإلكتروني هناك؛ أو عندما تكتب في شريط العناوين في المتصفح الحرف "f" ويظهر موقع فيسبوك (Facebook) كأول خيار أمامك، هذا لأنّ ملف تعريف الارتباط (الكوكيز) حفظه كموقع إلكتروني تمّت زيارته بشكل متكرّر، لذلك، فإنّ ملفات تعريف الارتباط تحفظ أنواعًا مختلفة من المعلومات المتشابهة، لتتّسم تجربتك كمستخدم بالكفاءة والسهولة.
بالعودة إلى فاطمة، راشد يملك الآن جهازًا يساعدك على تتبّع التفاصيل الفيزيولوجية لفاطمة. وهذا يعني أنه عندما تقوم باستخدام هذا الجهاز، تكتشف أن معدّل ضربات قلبها "X"، ومستوى السكّر لديها "Y"، وارتفاع صوتها "Z"، إلخ.
علاوةً على ذلك، فإنّ ذلك يُدعى في العالم الرقمي ببصمة (Canvas) وهو أسلوب تتتبُّع متطوّر يحفظ معلومات مختلفة أثناء قيامك بنشاط التصفّح، مثل نوع المتصفّح، ونوع نظام التشغيل وإصداره، وأجهزة الرسومات البيانية المثبّتة، كما تسمح هذه المعلومات جميعها إلى جانب خصائص أخرى بعملية تعقّب فريدة لجهازك، كما لو أنّ لجهاز الحاسوب أو الجهاز المحمول الخاصّة بك بصمة إصبع. ولكن بالرغم من أنّ بعض المواقع الإلكترونية تطلب إذنك لاستخدام ملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) إلا أنّ البصمة (Canvas) هي أداة تتبّع تعمل عادةً بشكل خفي بهدف تتبّع آثارك عبر المواقع الإلكترونية.
بالانتقال إلى المشهد الأخير من قصة فاطمة، كل ما يريده راشد الآن هو معرفة ما إذا كانت فاطمة قد غادرت المنزل أم لا. لذا، يقوم بوضع ورقة بيضاء فارغة على عتبة بابها، وفي كل مرة تتسخ فيها الورقة، يعرف أنّ فاطمة غادرت منزلها.
تمثل هذه الورقة في العالم الرقمي إشارات الويب (Web Beacon)، وهي أداة تتبّع أخرى ولكنّها عبارة عن كائنات غير مرئية متناهية الصغر وبحجم بيكسل واحد(One Pixel) ، تمّ تضمينها في صفحات الويب أو البريد الإلكتروني، فعندما تزور صفحة عبر الإنترنت أو تفتح بريدًا إلكترونيًا، يتم تنزيل هذا الشيء الذي يوازي حجم البيكسل (Pixel)على شكل صورة لإعلام الجهاز الخادم بأنّ صفحة الويب قد تمّت زيارتها أو أن البريد الإلكتروني قد تمّ فتحه. لذلك، عليك الامتناع عن فتح رسائل البريد الإلكتروني من مرسلي البريد العشوائي الذين لا تثق بهم، لكونهم يستطيعون بكل سهولة اختراق معلوماتك.
ها قد تعرّفت الآن على أساسيات التتبّع الرقمي وإذا كنت تتساءل عن عواقبها فالجواب أصبح عندك الآن. فبصرف النظر عن حقيقة أنّ بعض أدوات التتبّع قد تنقل فيروسات إلى جهاز الحاسوب الخاص بك أو تحاول اختراق كلمات المرور أو معلومات خاصّة أخرى، يتمّ استخدام التتبّع الرقمي لمصلحتك أيًا وذلك من خلال:
تحسين تجربتك على الإنترنت:
لنفترض أنّكّ ترغب في مشاهدة فيديو ما على موقع YouTube لكن ليس لديك أيّ خيار. فبفضل التتبّع الرقمي ستستمتع بمجموعة من أفضل مقاطع الفيديو الموصى بها، والتي تمّ اختيارها لك بناءًا على الفيديوهات السابقة التي قمت بمشاهدتها.
توفير الوقت:
تقوم أدوات التتبّع بحفظ معلوماتك لكي لا تضطر إلى إدخال اسم المستخدم وكلمة المرور الخاصة بك في كلّ مرةّ تقوم فيها بتسجيل الدخول، وبذلك تتمكّن من إكمال الجملة التي تكتبها وتخمين ما تبحث عنه بشكل أسرع.
حفظ تفضيلاتك:
يمكنك أيضًا بفضل تقنيّة التتبّع الإلكتروني حفظ المواد المفضلة لديك، أو تلك التي تضيفها إلى عربة التسوّق، لتفادي تكرار العملية برمتها في كل مرّة تتسوقّ فيها.
إيجاد ما تبحث عنه :
هذا الموضوع مثير للجدل لأنّ السبب الرئيسي وراء قيام أدوات التتبّع بحفظ معلوماتك هو من أجل بيعها لطرف ثالث مقابل مبالغ هائلة، فهي تساعد الأطراف الثالثة في العثور على الهدف الأمثل لمنتجاتها، ولهذا السبب تنهال عليك الإعلانات في أيّ صفحة تزورها، فقد تكون مثلًا قد بحثت بواسطة محرّك البحث "جوجل" عن "كيفية فقدان الوزن" ثم أثناء مشاهدة YouTube يظهر إعلان لتطبيق لياقة بدنية على شاشتك.
من جهةٍ أخرى، قد يكون التتبّع الإلكتروني قد يكون مخيفًا، أو مزعجًا، أو تطفّليًّا، لهذ السبب، إليك الطرق التالية للتعامل معه:
- استخدم محرّكات البحث التي لا تتتبعك مثل DuckDuckGo.com، وStartPage.com، وEcosia.com.
- احذف سجل البحث وملفات تعريف الارتباط (الكوكيز) ضمن تطبيقات متصفح الويب.
- قم ببساطة بتفعيل ميزة " لا تتتبعني" (Don’t Track Me) المتاحة في بعض المتصفحات مثل Google Chrome أو Mozilla Firefox.
- قم بتثبيت ملحقات وإضافات مفيدة.
- قم بتصفّح الإنترنت عبر استخدام خصائص التصفح المتخفي InPrivate المتاحة في برنامج التصفّح Microsoft Edge واستخدام Incognito المتاحة في برنامج التصفّح Google Chrome.
في النهاية، نحن لا نحتاج إلى أداة تتبّع لكن بما أنّك قد وصلت إلى الجملة الأخيرة يمكننا التخمين بأنّ هذه المقالة أعجبتك، ونأمل أن نكون على صواب!!