العمل عن بُعد و التحديات الأمنية
يمكن القول بأننا لم نشهد طوال حياتنا عامًا مثل العام 2020. فقد طرأت تغييرات عدّة على حياتنا اليومية، لا سيما على مستوى ثقافة العمل التي تأثّرت بشكلٍ بارز. ونتيجة لهذا الأمر، لم يعد غريبًا أن نرى ازديادًا في نسبة العمل المؤدّى من المنزل. فقد تمكّنت قطاعات كثيرة، لا بل جميعها تقريبًا، من إيجاد وسيلة للتكيّف مع أسلوب الحياة بالعمل من المنزل. وهذا لا ينطبق فقط على الشركات الحديثة القائمة على التكنولوجيا، وإنّما أيضًا على الشركات التقليدية التي تكيّفت مع هذه الظروف. في الواقع، إنّ ثقافة العمل الحديثة بدأت تدرك أكثر فأكثر بعض المنافع المهمة للعمل من المنزل. وعلى نحو مماثل، فقد أصبح التعلّم والدراسة من المنزل خيارًا طبيعيًا أيضًا في أيامنا هذه.
إنّ العمل من المنزل له حسناته وسيّئاته، تمامًا كأيّ مظهر آخر من مظاهر حياتنا. من جهةٍ أخرى، ازدادت أيضًا نسبة التعرّض للجرائم والتهديدات المتصلة بالتكنولوجيا. لكن هذا لا ينفي وجود الجريمة الإلكترونية قبل ظهور فيروس كورونا (كوفيد 19)، إلا أنّ هذه المرة الأولى في تاريخ البشرية التي يؤدّي فيها وباء إلى العمل من المنزل. وبالتالي، بات معدّل الجرائم المتصلة بالإنترنت أكبر بكثير، إذ تبيّن لنا أنها ازدادت بنسبة 600 في المئة خلال فترة الوباء منذ شباط/فبراير- آذار/مارس 2020 وحتى يومنا هذا. لذا، يُتوقّع في هذا الإطار حدوث خسائر بقيمة 10 تريليون دولار خلال السنوات الأربع المقبلة، وهو أمر مسلّم به.
ما هي هذه التهديدات؟
سنشير في هذه المقال الى بعض التهديدات الأكثر خطورة عبر الإنترنت، من ثمّ سنتطرّق إلى تفاصيل كل منها في مقالات مختلفة. من ضمن هذه التهديدات هي: الرسائل غير المرغوب فيها، وبرمجيات الإعلانات المتسلّلة، وحصان طروادة، والفيروسات، والديدان، والتصيّد الالكتروني، وبرامج التجسس، وبرامج رصد لوحة المفاتيح، وتزوير العناوين، وبرامج الأمان الخادعة.
لهذا السبب، يتوجب علينا أن نكون على قدرٍ كاف من الإدراك والوعي لمدى خطورة الهجوم الإلكتروني...
وبالرغم من أنّ عامّة الناس سيكونون أكثر وعيًا بالجرائم الإلكترونية خلال السنوات القليلة المقبلة، إلا أن غالبية مستخدمي الإنترنت في وقتنا الحالي لا يعلمون بها، والأسوأ من ذلك كلّه أنهم لا يدركون مخاطرها.
لذا، إليكم بعض العواقب التي قد تنتج اعتمادًا على نوع الهجوم:
- سرقة رموز الدخول
- سرقة الحساب المصرفي أو المعلومات المتعلّقة ببطاقة الائتمان
- سرقة كلمات مرور المحفظة الإلكترونية
- نسخ كلمات المرور المستخدمة لمرّة واحدة
- الإعلان عن المنتجات على جهاز الضحية (مع العلم أنك قد تصادف منتجات وخدمات غير قانونية أو منافية للأخلاق أيضًا)
- الرسائل غير المرغوب فيها
- عمليات الابتزاز حيث يحصلون على حساب المستخدم
- انتهاك الخصوصية من خلال رصد الأنشطة عبر الإنترنت على محرّكات البحث ووسائل التواصل الاجتماعي ومواقع التجارة الإلكترونية.
من المؤكّد أنّنا، نحن وأحياناً أجهزتنا، أكثر عرضة للخطر أثناء العمل من منازلنا باستخدام شبكة الواي فاي الخاصّة بنا مما لو كنّا نعمل من المكتب. فالكمبيوتر المحمول والهاتف الذكي هما أكثر الأجهزة شيوعًا والتي يتمّ اختراقها أمنيًا، وهذان الجهازان هما الوسيلتان الوحيدتان للعمل والدراسة من المنزل. لذا، علينا كأولياء أمور، أخذ العلم ببعض الممارسات الأساسية التي ستحدّ من احتمال القرصنة والاختراق.
لنرَ كيف يمكننا نحن، كأولياء أمور، تعليم أولادنا من خلال بعض الأنشطة والاستراتيجيات والمحادثات والأمثلة:
أساليب المصادقة الصعبة الاختراق: بدايةً، يجب استخدام كلمة مرور لا يمكن اختراقها، فضلًا عن تغيير كلمات المرور الافتراضية التي نحصل عليها من الأجهزة أو من أي منصّة عبر الإنترنت. ومع هذا، يبتكر مجرمو الإنترنت دومًا طرقًا لسرقة كلمات المرور الخاصة بنا، ويكون الحل بإيجاد كلمة مرور مركّبة إلى حدٍ ما، إنما ليست شديدة التعقيد، فضلًا عن استخدام أسلوب مصادقة متعدد العوامل، وتعليم أولادنا أهمية الحفاظ على سرية كلمات المرور.
أطلب من أولادك اختيار كلمات مرور لأجهزتهم وعدم مشاركتها مع أحد غيرك. ففي هذه الأيام، حتى الأطفال الصغار يملكون أجهزةً خاصة بهم، وغالبيتها ليست محصّنة بكلمات مرور.
فضلاً عن ذلك، أثناء قيام طفلك بتسجيل الدخول وتسجيل الخروج، يمكنك إخباره بما يلي: إن كلمات المرور هي الأقفال التي يجب أن تكون مفاتيحها بحوزة المالكين فقط. ومن المهم معرفة أنّ الأقفال الضعيفة تُكسَر بكلّ سهولة.
تنزيل التطبيقات : علينا تنزيل التطبيقات من المتاجر الرسمية فقط. فهناك الكثير من التطبيقات التي يمكن اعتبارها تقنيًا تطبيقات "ضارة"، لكِنّ ضررها قد يكون أكبر حين نشتريها من متاجر تطبيقات خارجية غير رسمية. لذا، الحل الوحيد للحدّ من خطر متاجر التطبيقات الخارجية هي بالابتعاد عنها.
يجب أن نحرص على أن يُميِّز أولادنا بين متاجر التطبيقات الرسمية وغير الرسمية، لا بل يجب أن يعرفوا بشأن التطبيقات الرسمية فقط، وكل ما هو غير ذلك يجب أن يكون محظور تمامًا. هذا، وقد تساعد أدوات الرقابة الأبوية بمنع اطلّاع طفلك على محتوىً غير آمن ومُنافٍ للأخلاق.
فضلًا عن ذلك، وأثناء تنزيل التطبيقات برفقة طفلك، يمكنك إخباره بما يلي: إذا قمت بشراء منتج من متجرٍ مُرخَّص أو مشهور، تستطيع دومًا العودة إلى ذلك المتجر في حال وجود خطبٍ ما في المنتج. أمّا بالنسبة للمتاجر غير الرسمية فقد تختفي بمجرّد أن ندفع ثمن ما اشتريناه.
رابط غير مألوف: علينا تجنّب النقر على أي رابط غير مألوف على أيّ موقع إلكتروني ورسائل عبر البريد الالكتروني، لأنّ النقر عمدًا أو خطأً على رابط واحد غير مناسب قد يؤدي إلى اختراق المعلومات المتعلّقة ببطاقة الائتمان الخاصة بك في غضون دقيقة.
وكما هو الحال مع التطبيقات، يجب أن نعلّم أولادنا عدم النقر على روابط غير مألوفة.
فضلًا عن ذلك، وعندما يظهر أمامك على الصفحة رابط غير مألوف، يمكنك إخبار طفلك بما يلي: هذه الروابط الغريبة أشبه بمصائد، وقد تكون خطيرة بقدر ما تتصوّر. احذرها، وإن رأيتها، أخرج من الصفحة على الفور.
مضاد الفيروسات: علينا تنزيل برنامج خاص لمكافحة الفيروسات، وعلى الطفل أن يدرك أهمية هذا البرنامج.
على سبيل المثال، يمكن مقارنة البرنامج المضاد للفيروسات بالدواء، ويمكننا نحن كأولياء أمور أن نخبر أطفالنا بأنّ البرنامج المضاد للفيروسات سيضمن لهم عدم حصول أي مشكلة أثناء تشغيلهم لعبة الفيديو أو قيامهم بأي أنشطة أخرى على جهازهم الإلكتروني.
فضلًا عن ذلك، حين ترى أي روابط غير مألوفة على الصفحة أو عند قيامك بأي تنزيل، يمكنك إخبار طفلك ما يلي: إنّ البرامج المضادة للفيروسات هذه أشبه بالدواء، إذ تضمن عدم تعرّض جهازك لأيّ نوع من المشاكل.
وأخيراً، وبما أنّ هذا المقال يتناول بشكلٍ أساسي إدراج هذه العادات التكنولوجية السليمة في حياتنا، تمامًا كما نتلقّن العادات الطبية الصحية. يُنصَح بأن نعلّم أولادنا هذه العادات أيضًا نظرًا إلى الوقت الطويل الذي يقضونه على هذه الأجهزة العاجزة. حيث أنّ الأمن الإلكتروني أصبح اليوم مهماً بقدر أيّ نوع آخر من أنواع الأمن، وذلك مع وجود أكثر من أربعة مليارات ونصف مُستخدم إنترنت نشط في أنحاء الكرة الأرضية.