أريد معرفة وإدراك مدى تأثير الصور المنشأة بالحاسوب على أطفالي.
التعامل مع الوسائط الحسّاسة عند الاتصال بالإنترنت
ما هي الوسائط الحسّاسة؟
كثُر النشاط الإجرامي بمظاهره المختلفة في العقود الأخيرة، وازدادت الأحداث العنيفة وحوادث الكراهية بشكل كبير في العقد الأخير. كان من أعنفها حادث نيوزيلاندا الشهير عام 2019 الذي أسفر عن مقتل 51 شخصاً، وإصابة 40 شخصًا.
إنّ هذه النوعية من الحوادث المؤسفة تكمن في عدّة أسباب، ويعدُّ تعرّض الشباب للوسائط الحسّاسة بشكل مفرط من أهم العوامل التي تسهّل وقوع مثل هذه الأحداث.
ليس لمصطلح "الوسائط الحسّاسة" معنى محدّد أو ثابت. حيث يرى كل من المستخدمين والمنظمين أنّ المحتوى الحسّاس يعدُّ مفهوماً مرناً يتطوّر مع ديناميات المجتمع، إلا أن العنف المفرط والصور ومقاطع الفيديو التي تخصُّ البالغين والمحتوى الذي يحرّض على الكراهية،هي من أكثر الأمثلة شيوعاً في مجتمعنا، على سبيل المثال، تويتر يحدّد جميع الوسائط الممنوعة على منصّته إذ يُزيل الصور ومقاطع الفيديو التي تحتوي "أذى جسدياً خطيراً مثل "الجروح" أو "الرموز والإشارات المحرّضة على الكراهيّة".
بناء على ما سبق، هل تعدّ الوسائط الحسّاسة مشكلة متناميّة؟
إنّ وسائل التواصل الاجتماعيّ تعدُّ من أهم قنوات تداول المواد الحسّاسة في هذه الأيام بسبب تعرّض الناس لها بشكلٍ هائل، وازدياد اهتمامهم بالتكنولوجيا. وقد وفّر هذا الأمر بيئة مثاليّة للأفراد حيث يقومون باستخدام أجهزتهم ويقضون وقتاً طويلاً على وسائل التواصل الاجتماعيّ مثل إنستغرام وسناب شات وغيرها. هذا الأمر زاد الاعتماد على الأجهزة خلال فترة جائحة كورونا، لأنّ بعضهم فضّل البقاء في المنزل على الخروج. من جهة أخرى، إنّ المحتوى الذي نراه على التلفزيون يخضع لرقابة وعادةً ما يحمل تحذيرات، بعكس المحتوى الموجود على مواقع التواصل الاجتماعيّ فإنّه غير منظم. ما يعني أنّ بإمكان أيّ شخص مشاركة أو تحميل أيّ وسائط دون قيود وإيصال ما قام بنشره إلى عدد كبير من الناس في الوقت نفسه. لذلك، من الضروري للأفراد -وخاصة الشباب- التعرّف على المحتوى الحسّاس وتحديده والتصرّف بمسؤولية عند مصادفته.
لماذا يجب علينا رفع مستوى وعينا حول انتشار الوسائط الحسّاسة؟ وكيف يمكن أن تؤثّر عليّ كمواطن رقمي مسؤول؟
إنّ التعرّض غير المقيّد للوسائط الحسّاسة يؤدي إلى العديد من النتائج السلبيّة على الصحة الذهنيّة والجسديّة للفرد. فإنّ الصور التي تُظهر الدم والأذى الجسدي تؤدي إلى إثارة الضيق والتسبب بصدمة للذهن خاصّةً لدى من هم في سنّ أصغر. على سبيل المثال تخيل حالة طفل يحبّ الكلاب ويبلغ من العمر 5 سنوات يشاهد عن طريق الخطأ صورة جثّة كلب مشوّهة، فمن الطبيعي ألا يتمكّن هذا الطفل من التخلّص من تلك الذكرى بسهولة. من هنا، تظهر الأبحاث أنّ التعرّض لمحتوى يتضمّن إيذاءً جسدياً، من شأنه خلق شعور الخوف عند الأطفال.
من جهةٍ أخرى،قد يأتي التعرّض للوسائط الحسّاسة من مصادر تبدو غير ضارّة أيضاً. وتعدّ ممارسة الألعاب الرقميّة ومشاهدة التلفزيون والأفلام من الطرق الفعّالة التي تزيل تدريجياً حساسيّة عقول الشباب اتجاه الأذى الجسديّ والاعتداء. على سبيل المثال، فيلم أكشن يحظى باحترام وإعجاب الشباب قد يطوّر داخلهم حبّاً للعنف الجسديّ بشكل عفويّ، هذا الأمر قد يقلّده صبيّ يبلغ من العمر 15 عاماً على زميل آخر معه في المدرسة.
بالإضافة إلى هذا، فإنّ الألعاب الرقمية الشهيرة مثل (GTA) (Call of Duty) توفرّ منصةً تسمح لليافعين بمحاكاة العدوان والعنف. وعلى الرغم من غياب العواقب الفورية الناجمة عن ممارسة لعبة رقميّة "مثيرة"، إلّا أنّها تحفز وتعزّز سلوكاً قد يتسبّب في عواقب وخيمة في حياتهم، كالطرد من المدرسة أو الكليّة. وعلى المدى الطويل، أظهرت العديد من الدراسات العلميّة أنّ مثل هذه التجارب تتراكم بمرور الوقت وتحوّل الأطفال إلى بالغين يعانون من الاضطراب والعدوانية، ويفتقرون إلى التعاطف والحبّ تجاه غيرهم من البشر. وبالمثل، فإنّ مشاركة المنشورات أو الصور التي تستهدف مجموعة معيّنة من المجتمع أو تحرّض على الكراهية تساعد على خلق بيئة سامّة بشكلٍ عام. على سبيل المثال، عندما يقرأ طالب في المدرسة الثانويّة على الفيسبوك شتيمة موجّهة ضدّ شخص ينتمي إلى مجتمع ما، سيتطوّر دون وعي شعور الكراهية أو اللامبالاة داخله تجاه هذا المجتمع.
وعلى الرّغم من أنّ مشاركة بعض المنشورات التي تكون مثيرة للجدل، قد تبدو من منظور اجتماعي غير ضارّة في مرحلةٍ ما . إلّا أنّها تضعّف أسس المجتمع حيث لا يمكن للناس تقبل الاختلاف والتعايش معها.
هذه المنشورات تغذي الكراهيّة تجاه البعض، الأمر الذي قد يؤدي مع الوقت، لوقوع أحداث مثل حادث نيوزيلاندا الشهير كما ذكرنا أعلاه.. كما يغذّي خطاب الكراهية عقليّة "نحن- ضدّ -هم" التي تغرس التحيّز لدى الأطفال الصغار طوال حياتهم. إنّ هذه العقليّة تعيق على المدى الطويل تكوين الصداقات والتعلّم الذي ينتج عن التفاعل والاختلاط مع ثقافات مختلفة.علاوة على ذلك، إنّ مشاركة مقاطع لعلاقات غير لائقة قسريّة تخفف حساسيّة المراهقين تجاه الأفعال التي تهين كرامة الضحيّة بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، مما يؤدي إلى وقوع المستخدم في مشاكل قانونية.
كيف أنشر الوعي حول هذه المسألة وكيف أتصرّف كمواطن رقمي مسؤول؟
إنّ اعتماد التعرّف على المحتوى الحساس وإدارته بمسؤوليّة هو أحد المبادئ التوجيهية الأساسية عند استخدام وسائل التواصل الاجتماعيّ، فهناك انتشار لعديد من مجموعات الكراهيّة وأولئك الذين يبتزّون الناس باستخدام محتواهم المخترق على وسائل التواصل الاجتماعي، لذلك يمكن اتباع خطوات بسيطة احترازيّة بهدف إنقاذ المستخدم (والمجتمع الأشمل) من عدة عواقب.
أحدُ أبرز الطرق الأساسية التي تساعد في نشر الوعي حول الوسائط الحساسة هي التصرّف بمسؤوليّة شخصيّة (أي التنظيم الذاتي). فعند مشاركة أيّ محتوى، يجب على المرء أن يتحقق من صحة الادعاءات وإبلاغ الآخرين بأيّ تناقض.
ويمكن الإبلاغ عن أي معلومات مشبوهة أو كاذبة إلى السلطات، أو على الأقل حظر مصدرها. ويَسمح كل من تويتر وفيسبوك،للمستخدمين بالإبلاغ عن المحتوى الحسّاس الذي يتم تأكيد حساسيته من قِبل المشرفون. كما يمكن للمستخدمين تمكين فلاتر (بناءً على تفضيلاتهم) تمنع هذه المواد من الظهور لهم.
علاوة على ذلك، يمكن للإضافات مثل Block Together إنشاء قوائم قابلة للمشاركة يحدّدها المستخدم لحسابات تويتر التي تنشر وسائط حساّسة، ما يخفّف عبء حظر هذه الحسابات. بالتالي، قد يكون الجهد ببساطة عدم مشاركة أيّ صورة أو منشور من شأنه التسبب بأذى نفسي. وقد يكون نشطاً مثل الإبلاغ وحظر المحتوى المرفوض عبر منصّات التواصل الاجتماعي.
لذا، من الضروري فهم أنّ الجهود الجماعيّة، التي تتألف من الأفراد الواعين، وحدها يمكن أن تساعد في الحدّ من انتشار وتأثير الوسائط الحسّاسة. وبالتالي، من المهم جداً نشر الوعي وتثقيف أصدقائك الأكثر تقبُّلاً حول ممارسات وسائل التواصل الاجتماعيّ الآمنة، لأنّ أصدقائك اللذين ينتمون إلى فئتك العمريّة يمكنهم فهم آليّة تفكيرك وتبنّي عاداتك. لذلك، قد يكون التحدّث معهم من أكثر الوسائل فعاليّة لنشر الوعي من خلال التأثير بالأقران. بالإضافة إلى ذلك، وكخطوة استباقيّة، يمكن المشاركة في برامج ومبادرات مختلفة لمحو الأميّة الإعلاميّة بهدف مساعدة الآخرين في التعرّف على المحتوى الذي يحرّض على الكراهيّة أو العنف والتعامل معه.
في الختام، يمكن اعتبار الوسائط الحسّاسة على أنّها أيّ مادّة تُسبّب صدمة نفسيّة أو ضيقاً أو تُحرِّض على الكراهيّة تجاه مجموعة ما. في عصرنا الحديث، يمضي المزيد من الناس وقتًا كثيرًا على مواقع التواصل الاجتماعيّ، ما يُضخّم الدور الذي تلعبه الوسائط الحسّاسة في حياتنا. وكقاعدة عامّة، يمكننا منع نشر مثل هذا المحتوى عندما تَمتَنِع عن مشاركته بنفسك أولاً، ومن ثم تثقيف الآخرين حول آثاره الضارّة القصيرة والطويلة المدى.