ما الذي يجب عليّ معرفته وعمله عندما يلعب طفلي ألعابًا إلكترونية عبر الإنترنت؟
ظاهرة " المؤثرين" على مواقع التواصل الاجتماعي: بين الفائدة والضرر
يعيش أطفالنا بشكل يومي في عُرضة شبه دائمة لمحتوى مقاطع الفيديو من قِبل المؤثرين والمشاهير في منصات التواصل الاجتماعي على اختلافها (يوتيوب- فيسبوك-إنستغرام- إلخ). وهم في مواجهة مباشرة مع صناعة المحتوى المقدم من هؤلاء المؤثرين الذين ساهموا بالفعل بدرجة تأثيرهم الكبيرة، على وعي أطفالنا في جميع جوانب الحياة، كما أضافوا العديد من المفاهيم المجتمعية المستحدثة، وأشركوا أطفالنا وأبنائنا اليافعين في مواضيع حياتية أكبر من استيعابهم، ونتيجةً لهذا الوعي الزائد الموجه لأبنائِنا بشكل مكثف وملفت باتت نفسيتهم عُرضة لمشاكل صحية كبرى.
تتنوع محتويات مؤثرو التواصل الاجتماعي على قنواتهم، من ألعاب فيديو إلى ترويج لمنتجات تجميلية أو ترفيهية متنوعة ويقضى أطفالنا أوقات طويلة في متابعة ومراقبة محتواهم مُكونين صوراً ذهنية تؤثرعلى سلوكهم اليومي وعلى نظرتهم وثقتهم بأنفسهم وربما تصل مرحلة التأثر إلى اتخاذ بعض هؤلاء المؤثرين قدوة يُحتذى بها ومصدرًا موثوقًا للمشورة والمعلومات ظانين أن هؤلاء المؤثرين لديهم القدرة على فهمهم ومعرفة اهتماماتهم الشخصية. صحيح أنه من الممكن لآراء المؤثّرين أن تكون إيجابية بعض الأحيان، لكنّها قد تكون أيضًا شديدة الخطورة في أغلب الأحيان.
ثمة صلة قوية بين اعتلال الصحة النفسية لدى الأطفال وبين قضائهم وقتًا طويلاً على منصات التواصل الاجتماعي؛ لعدة أسباب، من ضمنها مشاهدة صانعي محتوى مؤثرين خلال مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تُمثل اعتلالات الصحة النفسية 16% من العبء العالمي للأمراض والإصابات بين الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 10 سنوات و19 سنة. (المصدر: منظمة الصحة العالمية).
تسويق المؤثرين، هل هو خدعة أم حقيقة؟
في معظم محتوى مؤثري مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر إعلانات تجارية تُعرض على أطفالنا، بداخل المقطع المعروض، هذه الإعلانات التجارية في الأغلب تُصمم خصيصًا بشكل جاذب ليشاهدها الأبناء، لكن بمعايير تجارية بعيدة كل البعد عما يناسب فئتهم العمرية. هل فوجئتِ يوماً بإبنتك الصغيرة تعبث بمنتجات التجميل الخاصة بكِ كأم؟ وتحاول وضعها على وجهها؟ إذا كانت الإجابة نعم، فلابدّ أنها تُتابع أحد المؤثرين المراهقين، الذين يتقاضون أجوراً لإثارة الرغبة عند الأطفال، لشراء المزيد من المنتجات التي يروجونها من خلال محتواهم أو تلك التي تظهر في فواصل الإعلانات التجارية، مما يدفع بالأطفال الصغار إلى عالم البالغين.
أيضاً، ازدهرت مدونات الفيديو العائلية على يوتيوب في العقد الأخير حيث يقوم الآباء وأطفالهم بتشغيل الكاميرا أثناء لعبهم أو قيامهم بأشغال يدوية، أو الطهو، أو السفر، أو حتى تقييم الألعاب، بينما يشاهدهم الأطفال من جميع أنحاء العالم بانبهار بالغ مما يدفعهم لشراء ما يروّجون له بشكلٍ مباشر أو غير مباشر.
من أجل ذلك فدورنا كآباء، هو إيجاد حلول صحية، تدعم اختيارات أبنائنا وتنأى بهم بعيدًا عن مخاطر محتويات صناع المحتوى أو المؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي.
نصائح لأولياء الأمور:
مشاركة أبناءك في مشاهدة وتقييم المحتوى المفضل لهم، شيء في غاية الأهميّة تحدّث إلى أبناءك الأطفال أو المراهقين عن سبب اختيارهم لهذا المحتوى بعينه دون غيره او لماذا يستحق هذا الشخص أن نُتابعه بالطبع يُمكن للمُؤثّرين ومشاهير منصات التواصل الاجتماعي تقديم أثرٍ إيجابيٍ إلى حياة أبناءنا اليوميّة، ولكن من الوارد أن يحدث العكس أيضاً خاصةً إذا لم ننتبه ماذا يشاهد أبناؤنا، وكم من الوقت يستهلكون لمشاهدة محتواهم المرئي المفضل.
أيضًا، من الضروري مراجعة منصات التواصل الاجتماعيّ التي يتابعها أبناؤك، ومشاهدة بعض مقاطع الفيديو والصور؛ لتكوين فكرة عمّا يتعرّضون له، والقيام بطرح بعض الأسئلة على المراهقين منهم، وسؤالهم عن آرائهم; بهدف دفعِهِم إلى التفكير بشكل أكثر استقلاليّة وإنصافاً، وبالتالي مشاركتهم في اختياراتهم الاجتماعية.
يتحمّل الآباء والأشقّاء الأكبر سنًا، والأشخاص اللذين يُعتبرون قدوة، مسؤوليّةَ رعاية الأبناء، لتجنيبهم المخاطر ومساعدتهم للتعرّف على طرق تسويق المؤثّرين، وتكوين آرائهم الخاصّة عنهم، واتخاذ قرارات مستنيرة .
كيف؟
- تأخير سن تعرض أبنائنا للشاشات قدر الإمكان من المعروف أن التعرُّض المبكر للشاشات يُسبب العديد من المشاكل لدى الأبناء بدءاً من تأخّر النمو وصعوبات التعلّم إلى البدانة، ووصولاً إلى مشاكل الصحّة الذهنيّة. كيف يمكن لطفل يبلغ من العمر 7 سنوات أن يعرف ما هو المُؤثّر؟ خاصةً وأنّ الحدّ الأدنى لسن فتح حساب على وسائل التواصل الاجتماعي -مثل إنستغرام أو فيس بوك- محدد بـ 13 عاماً. لذا، خذ الوقت الكافي لتحليل المحتوى معهم وابدأ بالتحقّق من الحسابات والصفحات التي يُتابعونها، وراقب -عن بُعد- الطريقة الّتي يتفاعلون بها على وسائل التواصل الاجتماعيّ، ثمّ تأكّد أنّ ما يطلبون شرائه منك عبر الإنترنت ليس ما يُعلِن عنهُ المُؤثرون، سواء كان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر.
- اشرح لأبنائك عن احتمالية تأثير المؤثر على سلوكه اليومي، وعلى شخصيته على مدى البعيد، من خلال التحدث معهم بكلماتٍ بسيطةٍ وطرق لطيفة عند قضاء وقت ترفيهي معهم.
- استغلّ هذه الفرصة للحديث عن معايير الجمال التي تنقُلُها وسائل الإعلام بشكل عام، و شبكات التواصل الاجتماعيّة بشكل خاص، وأيضاً ناقش أبناءك عن القضايا المتعلّقة بالثقة بالنفس والصورة الذاتية، وعن أهمية تحفيز تفكيرهم النقدي عن كل ما يواجهونه من محتوى على منصات التواصل الاجتماعي.
- أخبر أبناءك أنّه حتّى لو كان المُؤثر الذي يحبونه ويتابعونه شخصاً صالحاً، يجب أن لا يقلّدوا حياته بشكل حرفي أو متابعة كل ما يفعله. أخبرهم عن أهميّة بناء شخصياتهم وذوقهم وهواياتهم وآرائهم المستقلّة بأنفسهم. وأن يمتلكوا القدرة للحكم على المحتوى بشكل نقديّ ومتوازن، ومعرفة متى يَتَّبِعون ما يقوله المُؤثر ومتى يتوقفون.
وختامًا، نحن كأباء لابد لنا أن نوعي أبنائنا أن لا يكون هدفنا أن نصبح نسخة من حياة أشخاص آخرين، مؤثرين كانوا أو أشخاصًا عادية ولا نصدق ونتأثر بكل ما نشاهده من خلف شاشات أجهزتنا الذكية من محتوى المؤثرين، فهم بشر من الوارد أن يخطئوا ويصيبوا! وأن نستخدم هذهِ المنصات الاجتماعية فيما ينفع كنشر الوعي والعلم بصورة تجعلنا نحافظ على قيمنا الإنسانية الخاصة بنا كأشخاص مستقلين، منتمين للمجتمع القطري العربي، ونسعى دائما أن لا نكون مجرد نسخة مكررة ومشابهة لغيرنا.