كيف أحرص على الحفاظ على إنتاجيّة الطلّاب وسلامتهم أثناء التعلم عن بُعد؟
تعزيز الكفاءة الرقميَّة للأبناء
أصبح استخدام الإنترنت مألوفًا بشكل أكبر، وجزءًا لا يتجزأ من الحياة اليوميّة؛ ما فرض على الآباء أن يكونوا كأطفالهم؛ مواطنين رقميين؛ يسعون إلى التّعرّف أكثر على الإنترنت، وما يمكن أن يقدّمه لهم ولأطفالهم. إضافة إلى سعيهم إلى تمكين أنفسهم وأطفالهم من المهارات الرّقمية؛ ليكونوا قادرين على الوفاء بالتزاماتهم نحو أعمالهم، وأسرهم، وفتح طرق جديدة للوصول إلى المصادر المختلفة للمعرفة والتولصل.
إلّا أنهم مع كلّ ذلك؛ ما زالوا يشعرون بشكل متزايد بالتّحدّي في كفاءتهم ودورهم في دعم كفاءة أبنائهم الرقميّة في ظلّ وجود فجوة في المهارات والكفاءة الرّقميّة بينهم وبين أطفالهم، إضافة إلى مخاوفهم من الأخطار التي قد يتعرض لها أطفالهم عند دخول الموقع والمنصّات الالكترونية أو التطبيقات، وأصبح من المهمّ جدًّا مساعدتهم في ذلك، حتى يتمكّنوا من تعزيز ودعم الكفاءة الرّقمية لأطفالهم وتمكينهم من التّعلّم والنّمو في العصر الرّقميّ.
ما المقصود بالكفاءة الرّقميّة؟
يُعدّ مفهوم الكفاءة الرّقميّة مفهومًا حديثًا ناشئًا، تنوب عنه مجموعة من المرادفات المستخدمة من قبل الاختصاصيين الرّقميّين؛ مثل: مهارات تقنية المعلومات والاتّصالات، ومهارات القرن الحادي والعشرين، ومحو الأمية الرقمية، وغيرها.
وقد أصبح استخدام مصطلح الكفاءة أكثر من المهارات في المشورات الحديثة، ما يعكس الحاجة إلى محتوى أوسع وأعمق للمفاهيم؛ فالكفاءة الرقمية لا تتكون من المهارات الرقمية فحسب، بل تشمل أيضًا الجوانب الاجتماعية والعاطفية لاستخدام وفهم الأجهزة الرقمية. وهو مفهوم يتعلّق بتطوير التّقنيات والأهداف والتّوقّعات في مجتمع المعرفة، وتتألّف الكفاءة الرّقميّة من مجموعة من المهارات والكفاءات الرّقميّة، والّتي يمتدّ نطاقها إلى عدّة مجالات منها: الإعلام والاتّصالات، والتكنولوجيا والحوسبة، ومحو الأمّيّة الرّقميّة، والمعلوماتيّة الشاملة. وتتكوّن الكفاءة الرّقميّة من عدّة محاور:
- امتلاك المهارات التّقنية اللّازمة لتوظيف واستخدام التّقنيات الرّقميّة بطريقة هادفة في الأنشطة المختلفة لكلّ من العمل والدّراسة والحياة اليوميّة بشكل عام.
- القدرة على التّفكير النّقديّ عند استخدام التّقنيات الرّقميّة، وصولًا إلى تقييمها بطريقة نقديّة.
- وجود دوافع للمشاركة في الثّقافة الرّقميّة على المستويين المحليّ والعالميّ.
أهمية دعم الوالدين لكفاءة أطفالهم الرّقميّة:
بما أنّ التّقنيات الرّقميّة أصبحت جزءا من الحياة الأسرية، وحاجة مهمّة من احتياجاتها في عصر المعرفة و الاقتصاد المبني على المعرفة، واستنادا إلى دور الوالدين الرّئيسي؛ المتمثّل في دعم أبنائهم، و تمكنيهم من المهارات الحياتيّة، ليكونوا أفرادًا منتجين في مجتمعهم، و قادرين على مواجهة متطلبات الحياة، وبما أنّ الأطفال هم الأكثر ارتباطًا في حياتهم الاعتياديّة بالتّقنيات الرّقميّة، ويزداد هذا الارتباط يومًا بعد يوم، وتزداد حاجتهم إلى امتلاك المهارات الرّقميّة المطلوبة حاليًا، والمستجدّة؛ بناء على النّمو المتسارع والمستمرّ في مجال التّقنيات، وتغيّر نمط الحياة، أصبح لزامًا على الوالدين الوفاء بحقوق أبنائهم رغم كلّ التّحدّيات الّتي ربما تواجه الوالدين، خاصة تلك المتعلّقة بالجانب النّفسيّ والعاطفيّ المرتبط بقلقهم على أطفالهم ومخاوفهم من تعرّضهم للمخاطر المختلفة الناشئة عن الاستخدامات الرّقميّة، أو بالجانب الاقتصادي المرتبط بتوفير الأجهزة والتّقنيات المختلفة لأبنائهم، أو الاجتماعي المرتبط بالعادات والتقاليد والسّلطة الأبوية، أو بالجانب المعرفيّ والمهاريّ للوالدين، و المرتبط بمدى امتلاكهم للمعارف والمهارات الرّقميّة ومدى قدرتهم على تطويرها واللّحاق بركبها المتسارع، والاستفادة منها في تعزيز ودعم الكفاءة الرّقميّة لأبنائهم.
إضافة إلى كلّ ذلك، فالآباء لديهم وعي كافٍ أنّهم إذا لم يقوموا بتلبية احتياجات أطفالهم في كافة المجالات، ومنها تعزيز الكفاءة الرّقميّة لديهم، لا بدّ أنّهم سيلجؤون إلى تلبية ذلك من خلال قنوات أخرى، ربما لا تكون مأمونة، وغالبًا تحفُّ بها المخاطر من كلّ جانب.
دعم كفاءة الأبناء الرقمية:
التالي هي النصّائح والاستراتيجيّات والأنشطة الّتي يمكنَكُم القيام بها لدعم كفاءة أبنائكم الرّقميّة:
إنّ الآباء لديهم معرفة كبيرة إلى حد ما بأهمّيّة المهارات والكفاءات الرّقميّة الّتي يتطلّبها العصر الرّقميّ اليوم، لكنّهم لا يعرفون أو يدركون كيف يمكنهم تقديم الدّعم لأطفالهم، وكما أشرنا في بداية حديثنا إلى أنّه أصبح من المهمّ جدًّا مساعدة الآباء في ذلك؛ حتى يتمكّنوا من تعزيز، ودعم الكفاءة الرّقمية لأطفالهم، وتمكينهم من التّعلّم والنّمو في العصر الرّقميّ.
فيمكننا في هذا السّياق تقديم بعض الإرشادات، والأفكار، والاستراتيجيّات، والأنشطة الّتي تساهم في تحقيق ذلك، والّتي يمكنهم تنفيذها وتطبيقها بسهولة؛ من خلال توضيح كيفيّة توظيف المهامّ اليوميّة والأنشطة التّرفيهيّة والمناقشات والجلسات العائليّة وغيرها في تعزيز ودعم الكفاءة الرّقميّة لأطفالهم، وتحويلها إلى فرص تعليميّة دائمة ومستمرّة. ويمكننا إيجاز أهمّ هذه الإرشادات، والأفكار، والاستراتيجيّات، والأنشطة فيما يلي:
- التّواصل المستمرّ مع الأطفال: استثمر الجلسات العائلية الجماعيّة أو الثنائيّة، وقم ببناء روابط إيجابيّة ومستقرّة وعاطفيّة مع أطفالك، من خلال استمرارك في التحدّث معهم حول أنشطتهم الّتي يستخدمون فيها التّقنيات الرّقميّة بغض النّظر عن مستوى الثّقة في المجال الرّقميّ لديك، ويتضمّن ذلك ما يلي:
- طرحك أسئلة واستفسارات بهدف مساعدتهم على اكتشاف قدراتهم ومدى كفاءتهم الرّقميّة، للوصول إلى ما يحتاجون إلى تعزيزه، ومثال ذلك: ما المهام والأنشطة التي تقومون بها عبر الإنترنت؟ كم مرّة قمتم بذلك؟ كم من الوقت استغرقتم للقيام بذلك؟ أرغب في الاستفادة من مهاراتكم الرّقميّة وتعلّمها. ما المهارات الّتي تمتلكونها؟ ما التّحدّيات والمخاطر الّتي تواجهونها أثناء استخدام التّقنيات الرّقميّة؟ ولِمَن تلجؤون لمساعدتكم ودعمكم؟ وغيرها من الأسئلة.
- مناقشتهم في المخاطر المحتملة من استخدام الأجهزة والتّقنيات الرّقميّة، المتعلّقة بالخصوصية، والتّنقّل الآمن عبر الانترنت، وغيرها، وكيف يمكنهم الاستفادة من ذلك في توجيه أنشطتهم؛ ما يعزّز ثقتهم بأنفسهم وقدراتهم ويدفعهم إلى توسيع دائرة البحث والاكتشاف لديهم ويساهم في تطوير مهاراتهم الرّقميّة وتعزيز كفاءتهم.
- المشاركة والتّفاعل: قم أنت وبعض أفراد الأسرة بمشاركة أطفالك بعض تجاربك الرّقميّة، وشاركوهم في المشاهدة واللّعب وتفاعلوا معهم عندما يستخدمون الأجهزة التّقنيّة والرّقميّة، كما يمكنك القيام بتكليفهم بمهام رقميّة موجّهة. ويمكننا التوسّع في الحديث عن ذلك من خلال ما يلي:
- شارك أطفالك بعض تجاربك الرّقميّة عبر الإنترنت أو التطبيقات والأجهزة الرّقميّة، واستثمر هذه المشاركة في توجيههم إلى كيفيّة استخدام إعدادات الخصوصيّة، والتّقييم النّقديّ للمحتوى والسلوك، وما أهمّيّة وفوائد هذه التّقنيات وكيفيّة الاستفادة منها. وكيف يمكنهم تطوير مهاراتهم فيها.
- شارك أطفالك في المشاهدة واللّعب، وتفاعل معهم، ما يوفّر فرصة جيّدة لتقديم نصائحك ومشاركتهم خبراتك، خاصة ما يتعلّق بحلّ المشكلات، والتّفكير النّقدي، فهي فرصة لمساعدتهم على فهم ما يجب فعله عند مواجهة مشكلة، وفرصة أيضًا لتقديم التوجيهات والإرشادات التّقنيّة والرّقميّة لهم، فيما يخص مثلا قيود المحتوى، مثل حظر مواقع معينة أو منع الهجمات من خلال الفلاتر والجدران النارية؛ ما يساهم في تعزيز مهاراتهم وكفاءتهم الرّقميّة.
- وجّه بعض أفراد الأسرة البالغين، أو الأقارب، إلى التّواصل والتّفاعل مع أطفالك، من خلال تطبيقات الهواتف أو الحواسيب، وتبادل الملفات وتخزينها؛ ما يعزّز قدراتهم ومهاراتهم.
- تواصل مع مدارس أطفالك ومعلميهم، واطلب منهم تفعيل الممارسات التّعليميّة، وعمليات التّواصل، وتبادل المعلومات باستخدام التّقنيات الرّقميّة مع أطفالك.
- قم بتكليف أطفالك ببعض المهامّ في المنزل كالقيام بالبحث عن موضوعات محددة عبر الإنترنت، وغيرها من المهامّ الّتي تهدف إلى تدريبهم و تعزيز مهاراتهم الرّقميّة.
- التّمكين بدلًا من التّقييد: يمكن لعمليات تقييد الوصول إلى أجهزة أو مواقع أو محتوى أو تطبيقات رقميّة التي تُستخدم كأداة للحفاظ على سلامة الأطفال عبر الإنترنت، أن تَتَسبَب في ذات الوقت في حرمان أطفالك من تعزيز وبناء مهاراتهم وكفاءتهم الرّقميّة، وضياع فرص حقيقية لهم في التّدريب والتّنمية والاستفادة القصوى مما حُجِبَ عنهم. فالآباء يدركون أنّ بعض الأنشطة، قد تكون مهمّة لفرص أطفالهم الحاليّة والمستقبليّة؛ للتعلم واكتساب المعلومات، والعمل والمشاركة في مجتمعهم. لذلك يُطلَب من الوالدين البحث عن توازن بين التّمكين والتّقييد؛ للوفاء بمسؤولياتهم نحو دعم أطفالهم وتمكينهم وإعدادهم للعصر الرّقميّ وتطوراته. كما يجب عليك الوعي بأن وقوع الأطفال في الخطأ هو شيء طبيعي لقلة معرفتهم و خبرتهم في الحياة، فلا تجعل من ذلك سببًا للقيام بعمليات التّقييد أو الحرمان، بل اجعل من ذلك فرصًا للتعلم وتحسين الأداء.
- استثمار القدوة: بما أن طفلك يقلدك فيما تقوم به، يمكنك استثمار هذا الأمر في تمكينه من المهارات الرّقميّة وتعزيز كفاءته فيها؛ عند تنفيذك لبعض المهام، قم باستخدام بعض مهاراتك الرّقميّة أثناء تواجده معك أو بالقرب منك.
- الاستعداد للدّعم: لا يتوقّف ذلك بقيامك بتوفير وقت من يومك لتقديم الدّعم لأطفالك، بل يتعدّاه إلى ضرورة قيامك بمحو أمّيّتك الرّقميّة بالتطوير الذّاتي أو بمساعدة الآخرين، حتى تكون قادرًا على تعزيز كفاءة أطفالك الرّقميّة.
- فرص التّدريب والدّعم المادّيّ: عليك القيام بتوفير أجهزة كافية ومناسبة لأطفالك من حيث حداثتها وكفاءتها، إضافة إلى شبكة إنترنت فعّالة ومناسبة، تساعدهم على القيام بأنشطتهم الرّقميّة بفاعليّة. كما يمكنك توجيه أطفالك إلى الانخراط في دورات تدريبيّة محليّة، أو عن بُعد، أو الاستفادة من مهارات أقرانهم، أو حتّى معلميهم؛ لتعزيز ودعم كفاءتهم الرّقميّة.
وأخيرًا، يمكننا القول أنّ فرص تعزيز الكفاءة الرّقميّة لأطفالنا كثيرة ومتنوّعة، وليس من الحكمة إضاعة أيّ منها، في ظل هذا النّمو المتسارع للتكنولوجيا في حياتنا، بل يجب البحث عنها واستثمارها الاستثمار الأمثل، حتى نستطيع الوفاء بحقوق واحتياجات أطفالنا، وإعدادهم للحياة، بخطى واثقة، حتّى يكونوا أفرادا فخورين بأنفسهم، منتجين لا مستهلكين، قادرين على الاستجابة لمتطلبات العصر الرّقميّ بكلّ كفاءة واقتدار.